هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


غاليري الإبداع الأدبي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 هوية التمثال

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن الرموتي




عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 29/04/2014

هوية التمثال  Empty
مُساهمةموضوع: هوية التمثال    هوية التمثال  Emptyالجمعة مايو 02, 2014 12:23 pm

ألقى بنفسه على الأريكة ، و راح يستعيد أنفاسه و يتأمل حلمه الجميل . الحلم الذي يراوده منذ سنوات طويلة . كان الرجل الحجري منتصبا أمامه في شموخ و إباء . أيام قليلة و ينتهي من هذا الكابوس الذي أرقه...و ظل جاثما على صدره مثل صخرة سيزبف ، ساعات أخرى لا تساوي سنوات بأيامها و لياليها ، سنوات من الكد و التأمل و أحيانا كثيرا من الحزن ، ما كان يخافه أن يموت قبل أن يرى هذا الحلم أمامه ماثلا ... حين يخلو لنفسه يتذكر كيف كان يرى وجهه و ملامحه في المرآة كل يوم ، في عيون الآخرين، في البحيرات التي كان يعشقها حتى الثمالة. يسأل أصدقاءه البعيدين و المقربين ، يريد أن يعرف كل شيء عن نفسه ، عن أسارير وجهه عن ملامحه... لم يقتنع بأجوبتهم التي كانت مختلفة ، و أحيانا متناقضة . حين يتعب يفتح بلكون الشقة و يتأمل الغادين و الرائحين ، كان يراهم يسرعون كما لو يفرون من قدر محتوم ، سرب الحمام و هو يحط على نافورة المياه المنسابة في دعة كان يعشقه ، مقهى الشعب أمامه يبدل رواده كما تبدل المطارات مسافريها ، بعيدا يرنو إلى الأفق وقت الغروب ليرى الشمس تغرق في بحر ارجواني ، يتوق إلى لحظة الانعتاق حين ينتهي من هذا النصب الواقف ، ومن هذه الصورة التي رسمها له في ذهنه . أحيانا يدور حوله كما حصان معصوب العينين يحوم حول ساقية ماء، يسمع صوته يتردد في داخله كما لو أنه قادم من بئر عميق أو من زمن سحيق . ما يشغله الآن ملامح التمثال ، تقاسيم وجهه بكل تفاصيلها. غضون الجبين و عمقها كما لو أن محراثا مر من هنا يجره بغل ضخم ،و ترك أخاديد على أرض جافة لم تجد عليها السماء بقليل من المطر منذ سنوات ... العينان ، الأنف الحاد ... كل شيء كان يخلق لديه رغبة في البكاء ... مرات كثيرة بكى بكاء مرا حين خلا لنفسه، و حين يمسح دموعه كان يقترب من التمثال في خشوع متيم ، يتحسسه ، يمرر أصابعه عليه أحيانا و يغمض عينيه ، يتخيل أنه يعرف الرجل ، أو سبق أن ٍرآه في مكان ما لا يذكره ... حين يحس بالأرق أو التعب، يضع أدواته بهدوء مبالغ فيه كما لو كان يتعمد ألا يزعج هذا الحلم الماثل أمامه ثم يسحب إزارا ابيض ليدثره من عقرب البرد و يتأمله مرددا في نفسه ،  ارتح قليلا ، سأعود إليك لأحررك من وجودي معك
هذا اليوم كان واثقا أنه انتهى من عمله ، سيكون هذا التمثال آخر عمل يقوم به قبل رحيله ، أن يترك أثرا في حياة ، أثرا يؤرخه كما أرخت الموناليزا صاحبها ...وقف خاشعا بعد أن لبس أجمل قميص لديه ، قميص احتفظ به منذ مدة طويلة لهذه المناسبة ، موجة من الفرح و السعادة تنتابه ، و تسري في عروق جسده النحيل ، تأمل الملامح من جديد ، رنا إليها طويلا ، بدت له كما لو أن شيئا ما ينقصها ، لم يستطع أن يحدده ... بدأ الفرح يتحول إلى حزن عميق ... من جديد نزع قميصه و ارتدى ثياب العمل، أمامه رتب أدوات النحت ، و قرر أن يعيد رسم الملامح و القسمات ، أن تكون هذه المرة أكثر حزنا و وجوما ، لكن المفاجأة التي عقدت لسان النحات أن التمثال رفض أي تغيير ، فقد انتفض التمثال في وجهه صارخا ، تلك ملامحي ، كما خلقتها أول مرة ، فكيف لك بتغييرها و إعادة ترتيبها ...ماذا لو غيرنا ملامح الجميع وفقد الكل هويته.... تراجع النحات إلى الوراء مشدوها ، التقط أدوات النحت و رمى بها من الشرفة ، وقد أقسم في دواخه أن يهجر هذا الفن تماما .. تاركا التمثال يتأمل الفضاء من شرفة البيت ... .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هوية التمثال
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: غاليري السرديات :: القصة القصيرة-
انتقل الى: